آيا صوفيا هل هي معركة دينية أم سياسية بالأساس؟
بقلم / محمد حسن عايد المحامي بالنقض
أنشغل الرأي العام العالمي بقضية مبني أيا صوفيا , وقد بدء هذا الإنشغال علي إثر قرار الحكومة التركية بتحويل هذا المبني إلي مسجد .
وعلي إثر هذا القرار بدء الرأي العام ينشغل كليا بتلك القضية , و تباينت إهتمامات الناس فيها بين , هل هذا القرار يعد إنتصار للإسلام و المسلمين ؟ وبين هل هذا التصرف يعد من الإسلام في شئ ؟ وبين أن ذلك تعدي علي مقدسات الدين المسيحي , أو أن التاريخ الإسلامي ليس فية ما يدعم المنهج التركي في تصرفة هذا , وهل تصرف تركيا هذا يندرج تحت مفهوم السيادة لاسيما وأن هذا البناء علي أرض تركية أم لأنها تمتلك مستندات تدل علي ملكيتها لهذا البناء ؟ وهذا ما شغل الرأي العام .
لكن وبعد أن هدأت وتيرة الحديث عن تلك القضية هل لنا أن نسأل أنفسنا بصدق هل قرار تركيا بتحويل كنيسة آيا صوفيا إلي مسجد في هذا التوقيت يحمل دوافع ومقاصد دينية أم سياسية ؟
ولكي نعرف الإجابة علي هذا السؤال فلم نجد أصدق من التاريخ ليجيب علي ذلك
قصة "آيا صوفيا المصرية!!!"
لمن لا يعرف فإن "آيا صوفيا " أو القديسة صوفيا الشهيدة- كما ورد في كتب التاريخ المسيحي, و الذي ينتسب البناء لها , هي سيدة مصرية ولدت في مدينة البدرشين بمصر وكانت في بداية حياتها تعبد الأوثان. وكان يوجد بجوارها جارات مسيحيات يعشن بروح المحبة والوداعة ، مواظبات على الذهاب إلى الكنيسة وقد حركتهن مشاعرهن لتعليم صوفيا طريق الحياة الابديه والذهاب إلى الكنيسة ومبادئ الدين المسيحي فقبلت صوفيا هذا الايمان وبخاصة انها لمست فيهن روح المحبة فأمنت وأخذت تسير معهن حتى بعد أيام ليست بكثيره طلبت سر المعموديه وعمدها أسقف منف ونمت في الفضيلة ملازمه الصلاة والصوم ومحبة الفقراء.
وقد رامت أخبار إلى أقلوديوس الوالى البيزنطي لقسطنطين-بأن صوفيا الوثنيه صارت مسيحيه فأمر بأحضارها ومحاكمتها، فلما مثلت بين يديه سألها عن معتقدها، اجابته بأنها عمياء، وانها كانت تعبد الأوثان ثم أنها أبصرت وصارت مسيحيه. لقد أعطانها يسوع المسيح حياه من بعد موت. فرأي انها بذلك قد أغضبت الالهه بكلامها هذا وأمرها بالعودة إلى عبادة الأوثان لكى لا تجلب الغضب عليها، وأجابته صوفيا بأن هذه الالهه لا تزيد عن كونها حجاره لا تنفع ولكن تضر فكيف تأخذها لك إلهه فهى ليس بها مشاعر لكى تغضب كما تقول لى أما أنا فلن أغضب الاله.
عندما سمع الوالي ما قالته صوفيا أمر جنده بضربها بسياط من اعصاب البقر. ومع ذلك كانت صوفيا تصلى لكى يعطى ربها نعمة البصيرة الروحية للجميع كما نعمت بها هي ولم يكتفى هذا الوالي بضرب السياط بل تمادى في التعذيب وأمر بكى مفاصلها بالنار، ولكنها أصرت علي ديانتها المسيحية وكانت تصرخ بأنها مسيحيه أثناء عذابها وتكرر في إعترافها بالديانة المسيحية وأرسل أقلوديوس الوالى زوجته تلاطفها وتعدها بمواعيد كثيرة، فلم تمل إلى كلامها حتي أمر الوالي بقطع لسانها، ثم حبسها في سجن مظلم بينما كانت صوفيا تصلي لربها طالبة غفران للذين عذبوها وإضطهدوها.
أخيرا أمر الوالى أقلوديوس بقطع رأسها فصلت صوفيا صلاة طويلة وسألت ربها أن يسامح الملك وجنده بسببها. ثم أحنت عنقها للسياف فقطع رأسها. وأخذت إمرأه قبطيه آخري كانت ترافقها جسدها بعد أن أعطت للجنود مالا كثيرا ولفته بلفائف ثمينة، ووضعته في منزلها.
سمع الملك قسطنطين وأمه الملكة هيلانة بالكثير من المعجزات التي تتم علي اسم القديسة وجسدها في مصر، أمر بنقل جسد صوفيا القبطية إلى مدينة القسطنطينية بعد أن بنى له كنيسة عظيمة ووضعوه فيها تكريما لها.
كاتدرائيه آيا صوفيا
آيا صوفيا أو آجيا صوفيا بمعني القديسة صوفيا هي كاتدرائية سابقة ومسجد سابق وحاليا متحف يقع بمدينة إسطنبول و اعيد إلى مسجد في يوليو 2020،بدأ الإمبراطور جستنيان في بناء هذه الكنيسة عام 532م، وأستغرق بنائها حوالي خمس سنوات حيث تم أفتتاحها رسمياً عام 537م، ولم يشأ جستتيان أن يبني كنيسة على الطراز المألوف بل كان دائما يميل إلى ابتكار الجديد. فكلف المهندسين المعماريين ببناء هذا الصرح الدينى الضخم ويعد ذلك دليلا واضحا على مدى تقدم دارسي البناء في آسيا الصغرى في عهد جستنيان بحيث لم يعد هناك ما يدعو إلى استدعاء مهندسين من روما لإقامة المباني البيزنطية.
وقد بنيت تلك الكنيسة على أنقاض كنيسة أقدم أقامها الأمبراطور قسطنطين العظيم لجسد القديسة صوفيا القبطية. وقد احترقت الكنيسة القديمة في شغب، مما جعل الإمبراطور جستنيان يبدأ في إقامة هذه الكنيسة بهيئتها الحالية.
آيا صوفيا من كنيسة إلى مسجد
بعد سقوط القسطنطينية-إسطنبول في أيدي العثمانيين في أواخر مايو/ أيار1453 م حُولت الكنيسة إلى مسجد، وأدى به السلطان محمد الثاني (المعروف باسم محمد الفاتح) أول صلاة جمعة بعد دخوله المدينة وكان ذلك في الفاتح من يونيو/حزيران من العام ذاته، مُصدرا أوامر بتغطية الرسوم والنقوش المسيحية.
وعلى مدى السنوات التالية أُضيفت سمات معمارية إسلامية للمبنى مثل المنبر والمحراب ومآذنه الأربع.
وظل آيا صوفيا مسجدا والذي أطلق عليه اسم "الجامع الكبير" المسجد الرئيسي في القسطنطينية، حتى بناء مسجد السلطان أحمد المعروف باسم "المسجد الأزرق" عام 1616 والذي استلهم ومساجد أخرى سمات معمارية من الكاتدرائية.
آيا صوفيا من مسجد إلى متحف
ظل "آيا صوفيا" مركزا إسلاميا يحظى برمزية كبيرة، مُرتبطا في الأذهان بـ" فتح القسطنطينية" إلى أن منع مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة ورئيس الجمهورية آنذاك، إقامة الشعائر الدينية في المسجد عام 1931 قبل صدور مرسوم حكومي عام 1934 بتحويله إلى متحف فني بهدف "إهدائه إلى الإنسانية".
آيا صوفيا من متحف إلى "مسجد"
منذ سنوات تعالت مطالبات من قبل إسلاميين في تركيا بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وفي خطوة أثارت انتقادات دينية وسياسية دولية، ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا يوم الجمعة 12 يوليو/ تموز المرسوم الحكومي الصادر عام 1934 القاضي بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، استنادا إلى ما وصف بوثائق تاريخية تؤكد شراء السلطان محمد الفاتح مبنى "كنيسة" أيا صوفيا من القساوسة قبل تحويله إلى مسجد.
لماذا أثار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد كل هذا الجدل والانقسام؟
وفي ثمانينات القرن المنصرم أُدرج المتحف على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو". وأصبح واحداً من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول، إذ استقبل في العام الماضي وحده قرابة أربعة ملايين زائر.
وبعد أن ألقينا نظرة تاريخية علي آيا صوفيا سواء تاريخ تلك السيدة المصرية القبطية التي حولتها قصتها إلي قديسة , أو علي البناء المنسوب إليها والذي أقامة قاتليها من رجال قسطنطين , في محاولة سياسية منة لمحو الخزي الذي لاحقة من تعزيب وقتل آيا صوفيا المصرية القبطية , ومحاولة منة للتقرب من آقباط مصر لأسباب مرتبطة بإستتباب حكمة وترضية لوالدتة هيلانا الي إعتنقت المسيحية القبطية, ليشهد التاريخ أن قتل و تعذيب آيا صوفيا كان بهدف وغرض "سياسي".
أما الأمر الثاني الذي كشفة التاريخ أن بناء الكنيسة ونقل رفات آيا صوفيا إلية وتسمية البناء نسبة إليها كان قرار سياسي ليس إلا ,, للأسباب السابق ذكرها.
وأما عن تحويل الكنيسة إلي مسجد في عهد السلطان محمد الفاتح فهو ليس إلا تصرف سياسي لتأكيد التسيد و السيطرة علي الأراضي التي إستحوذ عليها, وكانت تلك الحقبة مليئة بالأحداث المشابه-وليس مشهد تحويل مساجد الأندلس إلا كنائس ببعيد عن الأذهان , فلا هذا ولا ذاك إنتصار إلي أي دين وإنما لإعلان السيادة والخضوع للأراضي التي إحتلها أي منهما , وهذا تصرف سياسي بالأساس.
وحتي قرار الحكومة التركية بتحويل المسجد إلي متحف للأديان كان قرار سياسي الغرض منة التقرب للإتحاد الأوروبي لكي تنضم تركيا للإتحاد, والذي كان لتركيا بمثابة الحلم و الأمل, وليكون قربان تقدمة تركيا لأوروبا للتغاضي عن مذابح الأرمن التي طالما طاردت التاريخ التركي , بالخذي والعار من المجتمع الدولي كلة.
ولما كان الحلم التركي بالإنضمام للإتحاد الأوربي قد تبدد , و أصبحت تركيا تحلم بأمجاد الخلافة العثمانية , فلم يكن أمامها إلا إستدعاء كارت آيا صوفيا لتداعب مشاعر مسلمي العالم , كما ولو كان هذا القرار إنتصار للإسلام و المسلمين ,,,,للأسف علي خلاف الحقيقة , وردا علي دول الإتحاد الأوربي الذين يقفوا ضد مصالحة سواء في ليبيا أو في شأن الحدود البحرية بالبحر الأبيض المتوسط.
لتظل آيا صوفيا الشهيدة والبناء, كروت سياسية يتم التلاعب بها حسب كل لاعب و مقاصدة وخدمة لسياساتة سواء كان بيزنطي أو عثماني أو تركي , وسواء كان وثني أو مسيحي كاثوليكي أو أرثوذكسي , وسواء مسلم سني كان أو شيعي , لسبب بسيط أن الأديان بريئة من كل ذلك , ولأن السياسة لا دين لها.