الضرائب والاستثمار.. وتصحيح في محله
بقلم زياد بهاء الدين
أقدر وأحترم فى المسؤولين الحكوميين من لديه الثقة فى أن يعترف بخطأ قرار أصدره، أو أصدرته جهة تابعة له، وشجاعة العدول عنه بالإلغاء أو التصويب بغض النظر عما يمكن أن يسببه له ذلك من انتقاد أو حرج، طالما أن فى العدول والتصحيح ما يحققلحة العامة.
أقدر وأحترم فى المسؤولين الحكوميين من لديه الثقة فى أن يعترف بخطأ قرار أصدره، أو أصدرته جهة تابعة له، وشجاعة العدول عنه بالإلغاء أو التصويب بغض النظر عما يمكن أن يسببه له ذلك من انتقاد أو حرج، طالما أن فى العدول والتصحيح ما يحققلحة العامة.
كتبت الأسبوع الماضى مقالا عنوانه «حرصا على ما تبقى من استثمار»، انتقدت فيه قرار رئيس مصلحة الضرائب (رقم ٣٣٠ لسنة ٢٠٢٠) بتشكيل لجنة تتولى مراجعة كافة الإعفاءات الضريبية الممنوحة لشركات الاستثمار من عام ٢٠٠٥ حتى الآن. وكان وجه الانتقاد أننى اعتبرت القرار ماسا بأوضاع وحقوق استقرت من أكثر من خمسة عشر عاما، وبالتالى ضارا بمناخ الاستثمار بل بمصداقية الدولة ضررا بالغا. وقد أثار القرار طوال الأسبوع الماضى لغطا كبيرا فى الشارع الاقتصادى واشترك العديد من الجمعيات والاتحادات التى تمثل المستثمرين المصريين بمختلف أحجامهم ومجالات نشاطهم فى المطالبة بمراجعته.
لذلك أسعدنى للغاية أن أتلقى بالأمس اتصالا هاتفيا من الدكتور محمد معيط وزير المالية يخبرنى بقيام السيد رضا عبد القادر رئيس مصلحة الضرائب من يومين بإصدار القرار رقم ٣٥١ لسنة ٢٠٢٠ متضمنا إلغاء القرار السابق واعتباره كأن لم يكن. فلهما معا ولكل من اهتم بالموضوع الشكر والتقدير على شجاعة تعديل قرار جانبه الصواب، وعلى الإنصات فى هذه الحالة لاعتراضات ومخاوف من يكافحون للإبقاء على استثماراتهم وأنشطتهم مستمرة فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
يهمنى مع ذلك توضيح أننى كنت قد تلقيت طوال الأسبوع الماضى العديد من التعليقات من القراء والأصدقاء الذين استغربوا أن أطالب بعدم فتح ملفات سابقة برغم ما قد يكون فيها من تهرب ضريبى أو فساد. فهل معنى إلغاء القرار الآن أن الحكومة قد رضخت لضغوط رجال الأعمال وقبلت بالتستر على التهرب والفساد؟
بالتأكيد لا. الطبيعى أن تقوم مصلحة الضرائب بدورها فى ملاحقة التهرب الضريبى، وأن تستمر الرقابة الإدارية فى الكشف عن الفساد بكل أشكاله، وأن تحال للنيابة العامة ملفات التزوير فى المستندات الرسمية. كل هذا طبيعى وضرورى ولن يتوقف بإلغاء القرار السابق لأن التصدى للجريمة لا يحتاج قرارا جديدا ولا لجانا خاصة، بل هو عمل مستمر فى كل الأحوال ولا يوجد ما يعطله. وجه اعتراضى كان محله أن القرار السابق تناول إعادة فتح كل الملفات الضريبية لشركات الاستثمار رجوعا لخمسة عشر عاما، فبدا كما لو كان الغرض منه الجباية وأنه سيأخذ المستثمرين الجادين والمحترمين للقانون بجريرة المتلاعبين والمتهربين، وأنه لا يعترف بما استقر من أوضاع وحقوق لا يجوز المساس بها. فدعونا إذن لا نتسرع بافتراض وجود ضغوط ومؤامرات ورضوخ حينما تفعل الحكومة الصواب وتلغى قرارا لم يكن مطلوبا من الأصل ولا إلغاؤه يعطل قيام مختلف الأجهزة بدورها فى ملاحقة الجرائم.
ما ذكرته قد لا يكون إلا خطوة بسيطة فى بحر المشاكل والتحديات الاقتصادية التى تواجه البلد. لذلك فإن الأهم من تفاصيل هذا القرار بالذات ونهايتها الإيجابية أن يكون الحوار الذى صاحب إصداره ثم إلغاءه مفيدا للمستقبل ولغيره من القضايا والملفات. والفائدة الأولى أن يترسخ لدى أجهزة الدولة أن العائد من التنمية الاقتصادية مستقبلا ومن تشجيع الاستثمار الجديد ومن زيادة الإنتاج والتشغيل والتصدير، يتجاوز عشرات المرات ما يمكن أن نجنيه من الانشغال بالماضى. أما الفائدة الثانية فهى أن يترسخ فى المجتمع أن الحكومة تخطئ وتصيب، وأن العدول عن الخطأ ليس عيبا ولا ضعفا بل علامة على القوة والثقة والحرص على تقديم الصالح العام دون خشية اللوم أو الإحراج.
تحية مرة أخرى للسيد وزير المالية والسيد رئيس مصلحة الضرائب على حسن الإنصات، والاستجابة، ولكل من كانوا طرفا فى هذا الحوار على الاستعداد للمشاركة والتفاعل بإيجابية